الثلاثاء، 21 أبريل 2009

المتحف الروسي



































إن أهم ما يميّز مدينة سانت بطرسبورغ الواقعة في أقصى الشمال الروسي، وفي منطقة جغرافية قاسية المناخ، هو تلك المسحة الجمالية، التي أضفتها عليها هندسة مدروسة حتى أقصى التفاصيل، وهي هندسة تحوّلت بعض عناصرها إلى أبنية مخصصة لمختلف أنواع المتاحف. ويقع المتحف الروسي المواجه لساحة الفنون، التي يتوسطها تمثال شاعر الحب الروسي ألكسندر بوشكين في صلب الوجه الثقافي والفني الذي تعكسه المدينة في كل زاوية من زواياها.
في نهاية القرن السابع عشر، بدأ في روسيا، التي كانت تسترشد بأوربا في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية تشييد قصور ومساكن تحتاج مساحاتها الداخلية إلى نوع جديد آخر من التصميم والزخرفة. لذا اكتسبت شهرة جماهيرية كبرى في القرن الثامن عشر رسوم الشخصيات الرسمية الحاكمة وأفراد العائلة المالكة والعائلات الغنية الأخرى، بالإضافة إلى تصوير ملامح المدن المنشأة حديثًا. ولقد عمل على هذه اللوحات رسامون أجانب من القاطنين في روسيا، بالإضافة إلى رسامين روس كانوا قد تتلمذوا على أيدي هؤلاء أو تلقوا دراستهم في أكاديمية الفنون، التي افتتحت في سانت بطرسبورغ عام 1764

بداية المدرسة الروسية:
وقد بدأت مدرسة الرسم الروسية الحديثة مقارنة مع المدرسة الأوربية، تنمو وتتطوّر بسرعة. ومع حلول النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ظهر في روسيا فنانون على قدر من المهارة والموهبة لا تقل عن زملائهم الأوربيين.ويعتبر ديميتري ليفينسكي وفلاديمير بوروفيكوفسكي بحق من أفضل رسامي البورتريه الروس في فترة نهاية القرن الثامن عشر. وكان لكل واحد منهما أسلوبه وموضوعاته الخاصة. ويشتهر ديميتري ليفينسكي بلوحاته العديدة المختلفة الأحجام وخاصة منها سلسلة راهبات دير سمولني، و«بورتريه كاترين الثانية - المشرّعة» و«بورتريه دانسكي أ.د». إن هذه اللوحات الموجودة في المتحف الروسي تنتمي إلى اللوحات الاحتفالية، التي يراد منها تزيين المساحات الداخلية للقصور.في نهاية القرن الثامن عشر، رسمت لوحات بروحية الأيديولوجيا التنويرية تمجّد الشخصيات الرسمية مبرزة ذكاءها وعدالتها ورعايتها للبلد وشعبه. ومن هذه الأعمال، تجب الإشارة إلى بورتريه نائب مستشار القيصر ألكسندر كوراكين المنقذ عام 1799. وقد كانت لوحات بوروفيكوفسكي ذات المنحى الاحتفالي قليلة في نتاجه. إذ إن الأغلبية العظمى من لوحاته كانت تجسّد المبادئ الجمالية للمدرسة الانطباعية. فملامح السعادة الهادئة للحياة المنزلية وعلاقات الانتماء العائلي وأواصر الصداقة وغرق الشخصيات المرسومة في أحاسيسها ومعاناتها تبرز بشكل واضح في رسوماته المعروضة اليوم في مختلف المتاحف الروسية.عدا ذلك، ترك بوروفيكوفسكي لنا أيضًا نماذج رائعة من الأعمال الخاصة بالمواضيع الدينية، والتي لم يتم تقدير روعتها فعليًا حتى الآن. فلوحة «المسيح في القبر» الصغيرة الحجم، التي رسمها الفنان في الفترة ما بين 1810 و 1820 تنتمي من دون شك بشفافيتها وتعابيرها الانطباعية إلى المرحلة الرومانسية. كما هي أيضًا لوحة «غولغوف» للرسام الكسي إيغوروف.في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر رسمت لوحات تعكس المناظر الطبيعية وذلك بروحية قريبة من الطبيعة نفسها. ولقد نالت شهرة كبيرة في هذا المجال اللوحات التي رسمها الفنان فيودور اليكسييف لمدينة بطرسبورغ. إلا أن رسومات اليكسييف كانت تختلف عن لوحات من سبقه في هذا المضمار من فناني القرن الثامن عشر، إذ إن رسومات هؤلاء كانت تعنى بإبراز عظمة المدينة، بينما رسومات اليكسييف كانت غنية بملامح واقع المدينة الحياتي.
ملامح رومانسية
ولاشك في أن المزاجية الخاصة، التي أضفاها الرسامون على المناظر الطبيعية والبورتريه منذ بداية القرن التاسع عشر شكلت أحد ملامح الفن الرومانسي. وقد ميّزت هذه الظاهرة الفن التشكيلي في النصف الأول من القرن التاسع عشر, وتمكّنت من أن تعيش في روسيا جنبًا إلى جنب وفي آن واحد مع المدرسة الانطباعية والكلاسيكية وحتى مع الواقعية المبكرة، التي كانت تبرز أحيانًا في أعمال بعض الفنانين.كانت الموضوعات الرئيسية المسيطرة في القرن الثامن عشر، وبداية القرن التاسع عشر مرتبطة بحياة ممثلي الفئات العليا من المجتمع الروسي. فالرسومات الشخصية لهؤلاء، وكذلك المناظر الطبيعية والمشاهد الحياتية عكست بشكل رئيسي جوانب متنوعة من نمط معيشتهم. أما طبقة الفلاحين، التي تشكّل الفئة المركزية داخل المجتمع الروسي، فقد بقيت على هامش إبداع الفنانين حتى بداية العشرينيات من القرن التاسع عشر. وكان ألكسي فينيتسيانوف الفنان الأول الذي كرّس نفسه لموضوع الفلاحين بالذات. ومن أجل التقرّب أكثر من أبطال لوحاته، انتقل فينيتسيانوف من مدينة بطرسبورغ إلى عزبته الواقعة في ضواحي مدينة «تفير»، وبدأ يرسم حياة الفلاحين في شكل مباشر. ولم يكن هدفه تصوير الفلاحين الحقيقيين فقط، بل كان يسعى إلى إقناع المجتمع بحق هؤلاء في الأرض، وبضرورة تمثيلهم تشكيليًا. ولقد تمكن الفنان من تحقيق مراده. إذ إن شخصياته الفلاحية بثيابها الرثة وأعمالها الوضيعة شكّلت مشهدًا معبّرًا لروسيا الحقيقية في منتصف القرن التاسع عشر.
المصدر